إتاوات وقطع أشجار.. مليشيات تركيا تواصل سرقة محصول الزيتون في شمال سوريا

وتتوالى جرائم المليشيات الموالية للاحتلال التركي في شمال وشرق سوريا، سرقة محصول الزيتون مسلسل لا ينتهي وقطع أشجاره، وإتاوات أرهقت أبناء تلك المناطق.

ولم تكتف تلك المليشيات بما تقوم به من أعمال إجرامية من قتل وخطف، وانتهاكات حقوقية وتعذيب وظلم للأبرياء، ومشاركتها أنقرة في عملية التغيير الديمغرافي لتلك المناطق، إلا أنها تحارب الناس في قوتهم، فامتدت أياديهم الغادرة إلى محصول الزيتون فما لم تسرقه تطاله الإتاوات، وما لم تطاله الإطاوات طالته فؤوس القطع.

وتنتشر المليشيات الموالية للاحتلال التركي في مناطق شمال وشرق سوريا مثل العمشات وفيلق السلطان سليمان شاه والسلطان مراد، حيث يجمع مراقبون على أنهم تحولوا إلى غطاء لتنفيذ الجرائم بحق السكان هناك، ومن خلالهم تستطيع أنقرة التنصل من أية عواقب، وسط حالة من الصمت العربي والدولي نتيجة المصالح التي تجمع بعض من تلك الدول بالنظام التركي.

كارثة إنسانية

تقول زينب سليمان، وهي إدارية في منظمة حقوق الإنسان عفرين سوريا، إن مدينة عفرين على مدار 7 سنوات تشهد العديد من الجرائم المستمرة بعد احتلال تركيا لها بالتعاون مع ما يعرف بمليشيات الجيش الوطني، من قتل واعتقالات وخطف واستيلاء على الممتلكات وسرقات وإبادة الطبيعة وحرق الغابات، وقطع الأشجار والتغيير الديمغرافي وبناء المستوطنات وتوطين الأهالي فيها بدلاً من سكانها الأصليين.

وأضافت، في تصريحات عبر الهاتف لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن ما شهدناه هذه السنة في شهر يوليو/تموز كارثة إنسانية بحق الطبيعة من خلال افتعال الحرائق، ولا تزال عمليات القطع والحرق مستمرة إلى يومنا الحالي، ففي الشهر الجاري تم قطع أكثر من 164 شجرة يقدر عمرها بأكثر من 30 عاماً من أجل التحطيب والإتجار بها في السوق السوداء في عفرين، كما تم قطع أكثر من 60 شجرة زيتون، وقطع 25 شجرة رمان.

وأوضحت زينب سليمان أن جملة الإحصائيات التي تم رصدها على مدار الأشهر الماضية تكشف عن قطع أكثر من 5500 شجرة وحرق أكثر من 597 هكتاراً من المحاصيل الزراعية وحرق أكثر من 6000 شجرة مثمرة، كما أنه لا يمر يوم واحد إلا ويتم فيه حرق وقطع الأشجار، هذا إلى جانب الإتاوات التي تفرضها الفصائل الموالية لتركيا – وعلى رأسها الحمزات والعمشات المدعومة من الاستخبارات التركية – على نحو أكثر من السنوات السابقة.

ولفتت إلى أنه تم فرض المزيد من الإتاوات في موسم الزيتون على كل العوائل المتواجدين في القرى والمهجرين قسراً بعد احتلال مدينة عفرين في عام 2018، ولا تزال هناك حالات اختطاف واعتقالات مستمرة، لكن هذا العام تم اتخاذ إجراءات أكثر قساوة بحق المدنيين من خلال فرض إتاوات كبيرة جداً تصل إلى 10 ألف دولار أمريكي على كل تاجر زيت في قرى ناحية شيئة، وعلى عدد من التجار تتراوح بين 20 حتى 30 دولار بالنسبة للمهجرين قسراً وأصحاب الوكالات.

وذكرت كذلك أنه في نواح أخرى تم إلغاء الوكالات بشكل كامل وتم الاستيلاء على المواسم خاصة في قطاع الحمزات، حيث حصلوا على 60% من الإنتاج وبالتالي خرج أصحاب الوكالات فارغي اليدين إلى جانب أنهم يدفعون كل ما لديهم لفرقة الحمزات، مشيرة أيضاً إلى أن فرقة العمشات تلجأ إلى وسيلة أخرى فيما يتعلق بالزيتون في المعاصر حيث يتم الإفراج عن المحصول مقابل حصول المليشيات على نسبة 30% منه، ومن لم يقم بذلك يتم ضربه بشكل مبرح.

تذكر زينب سليمان أيضاً أن مسنة مقيمة لوحدها اسمها حليمة حمرشو 80 عاماً اضطرت للنزوح قسراً من القرية إلى مدينة حلب لأنها لم يكن لديها المقدرة على دفع 7000 دولار أمريكي على حقول أبنائها الغائبين، فاستولت العمشات على منزلها وكافة أملاكها، كما تمارس فرقة السلطان سليمان شاه الابتزاز مقابل الإتاوات والفدية، كذلك فإن مليشيا السلطان مراد تهدد السكان بالاستيلاء على ممتلكاتهم.

تكشف الحقوقية السورية كذلك عن حيلة أخرى لتلك المليشيات، حيث تحدد موعداً بكل قرية لبدء قطاف الزيتون، وإذا تأخر القطاف تتعرض حقولهم للسرقات، ولذا تضطر العوائل الموجودة هناك لبيع بعض مقتنياتهم ومصاغهم الذهبي وجراراتهم لتسديد تلك الإتاوات.

وفي ختام تصريحاتها، ناشدت زينب سليمان كافة المنظمات الحقوقية والإنسانية في العالم وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة بالتدخل العاجل لإنقاذ أهالي مدينة عفرين والضغط على دولة الاحتلال التركي للانسحاب من كافة المناطق التي تحتلها في الشمال السوري، وتأمين عودة المهجرين إلى مناطقهم وقراهم ومنازلهم عودة آمنة برعاية أممية ومحاسبة المسؤولين على الانتهاكات والجرائم بحق أبناء منطقة عفرين خاصة والشعب السوري عامة.

مخطط الميثاق المللي

بدوره، يقول السياسي الكردي سليمان جعفر، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن ما يجري في عفرين مخطط غاية في الخبث والدهاء من قبل دولة الاحتلال التركي، يهدف إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، موضحاً أن الأول وهو الأهم تنفيذ بنود الميثاق المللي الذي كتبه مصطفى كمال(أتاتورك) وصادق عليه البرلمان التركي سنة 1939.

وأضاف أنه من بين ما يتضمنه هذا الميثاق أن حدود تركيا الجنوبية تبدأ من البحر الأبيض المتوسط حتى كركوك مروراً بـ "ولايتي" حلب والموصل، كما أنه وبالتواطؤ مع فرنسا التي كانت تحتل سوريا (تحت اسم الانتداب) والتقاء مصالحهما، احتلت تركيا لواء إسكندرون السوري، وبقت أنقرة تنتظر الظرف الدولي المناسب لتكمل احتلال شمال سوريا وشمال العراق، أملاً في استعادة السلطنة العثمانية.

ولفت إلى أنه في سنة 1982 وبذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وقعت معاهدة مع صدام حسين (رئيس العراق الأسبق)، الأمر الذي سمح لتركيا بإنشاء 17 قاعدة عسكرية، علماً أن الحزب آنذاك لم يكن لديه سوى بضعة أسلحة فردية خفيفة، كما أن أنقرة انتظرت الفرصة الثانية لتكمل احتلالها، فأتتها فرصة الثورة السورية سنة 2011 على طبق من ذهب، وبدأت بدعم الجماعات المتطرفة بالمال والسلاح حتى أصبحت طوع أمرها، وبذريعة ما احتلت جرابلس وأعزاز والباب وإدلب سنة 2016، وأتبعتها باحتلال عفرين سنة 2018 ورأس العين وتل أبيض سنة 2019، والآن تعمل على احتلال الشمال العراقي بنفس الذرائع، حيث أن مدينة دهوك هي الآن تحت سيطرة جيش الاحتلال التركي.

غطاء المليشيات

يلفت جعفر إلى أنه في ضوء ذلك، ولكي تبعد تركيا عنها تبعات المرتزقة التابعين لها في المناطق المحتلة مادياً وقانونياً، فقد أطلقت يدها لتفعل ما تشاء في الشمال السوري، وخاصة في عفرين، لكي تموّل تلك المليشيات نفسها دون أن تدفع لها أنقرة شيء، منوهاً إلى أنه قانونياً فالنظام التركي يحمّل المرتزقة كل الانتهاكات في حال تم اتهامها كدولة احتلال، علماً أن معظم دول العالم لا تعتبر تركيا دولة محتلة لأجل مصالحها الشخصية.

وفي ختام تصريحاته يقول إن تركيا تهدف من وراء قطع أشجار الزيتون في عفرين إلى قطع سبل العيش أمام العفرينيين لإرغامهم على الهجرة، لتكمل أنقرة تغيير ديمغرافية المنطقة، والآن تقوم بشكل خفي بإبعاد المرتزقة السوريين من المناطق الحدودية الفاصلة بين الجانبين السوري والتركي، وإسكان التركمان الذين استقدمتهم من داخل وخارج سوريا، لتؤسس منطقة عازلة من سكان تابعين لها، منتقداً "صمت الدول العربية على هذه الكارثة وكأن سوريا ليست دولة عربية".